المجال واحد ولكن
يطلب مني بعض الراغبين في العمل بالتعليق الصوتي النصائح حول أفضل الطرق التي يمكن أن يسلكوها لبدء احتراف هذا العمل. والحقيقة أنني دائما ما أواجه صعوبة في ت النصيحة. ليس بخلًا مني لا سمح الله، أو لأنني لا أحب مشاركة خبراتي مع الآخرين. بل لأنني أنا نفسي لم أسلك طريقًا بعينه في سبيل تحقيق ذلك. أؤمن أن طرق الدخول والنجاح في أي مجال مختلفة وأنها تعتمد في الأساس على الشخص نفسه. لكني أعتقد أن أقصى ما يمكن أن يقدمه لك شخص ما هو مشاركة تجربته معك وكيف بدأ في الطريق والباقي متروك لك، لأننا حقًا مختلفون.
سأوضح لك، في جميع المهن تؤثر نشأتنا وعلاقاتنا على مسارنا المهني. فالعلاقات والأوساط التي نشأتَ فيها لها تأثير كبير في تحديد مجال عملك وموقعك وتدرجك في السلم الوظيفي. هذا ليس معناه أن الموهبة ليس لها دور، ولكن ما أريد قوله هو أن أثر العلاقات الإنسانية ليس بالهين.
أنا مثلًا بدأت العمل في هذا المجال دون تخطيط مسبق، وبصورة كان للمصادفات دور فيها، حيث كنت أرغب في العمل كمذيع راديو في إحدى إذاعات الانترنت ولم أكن أعلم شيئا عن التعليق الصوتي. ولكن علاقة صداقة (لم تكن بالعميقة) كانت بمثابة تذكرة الدخول لي في ذلك الوقت. وبدأت شبكة علاقاتي بالتطور إلى أن أصبح لي اتصالات شخصية ساعدتني في المضي قدما في ذلك المجال. لا أريد الخوض في تلك التفاصيل لأنني لست بمثال يحتذي به بجوار فنانين أضافوا الكثير لهذه الصناعة. ولهذا سأطرح عليكم بإيجاز بعض الأمثلة لفنانين متميزين من أجيال مختلفة لمحاولة إيصال المقصود.
أستاذ عصام سيف
الأستاذ القدير عصام سيف، أحد أبرز رموز هذه الصناعة في مصر، أوضح في أحد المقابلات حين كان يستعرض كيف بدء عمله في التعليق الصوتي، أنه كان خريج المعهد العالي للموسيقي العربية-أكاديمية الفنون وكان يعمل كمهندس صوت بعد تخرجه في استوديو الفنان الكبير هاني شنودة. وفي يوم من الأيام علم أستاذ هاني شنودة أن أستاذ عصام لديه هذه الموهبة فشجعه أن يكون أحد المتقدمين لعملية كاستينج وهي عملية تجربة الأداء لاختيار الصوت الأنسب للإعلان، وبالفعل وقع الاختيار على الأستاذ عصام وكانت تلك هي نقطة الانطلاق لواحد من أهم أصوات مصر والوطن العربي. هذه بداية تأثرت بنشأة ودوائر عمل مختلفة تماما عن أي قصة أخرى.
أحمد القطب
أنظر أيضا كيف بدأ أحمد القطب، وهو أحد أهم المؤثرين في صناعة التعليق الصوتي بأعماله وأعمال شركته” الصوت العربي“. كان أحمد قد فرغ من دراسة التجارة، ثم تلقى شهادة في هندسة النظم والشبكات من مايكروسوفت، وعمل لفترة في مجال تكنولوجيا المعلومات، إلى أن قرر أن يطارد شغفه في التعليق الصوتي ويبدأ من مكان مختلف تمامًا وهو الإنترنت. وكانت بدايته هي تسجيل ماده صوتية لسلسلة مطاعم في فرنسا، حيث كان ذلك العمل مؤشرًا قويًا على مدى الاحتياج للأصوات العربية في أنحاء العالم. وعمل أحمد لأعوام في صمت مكونا شبكة عالمية من العملاء إلى أن أصبح ما هو عليه الآن. تلك أيضًا بداية مختلفة تمامًا.
لطفي عبدالعزيز
لاحظ أيضا بداية لطفي عبد العزيز، وهو من أهم الأصوات الإعلانية في مصر. حيث بدأت قصته منذ أن كان طالبا في كلية الإعلام بعد قيامه بعلاج لدغة في حرف الشين – وهي قصة أود أن تسمعوها منه شخصيا-. بدأ لطفي بالتعليق الصوتي لمشاريعه الخاصة المتعلقة ببعض المواد في الكلية وحينها نال مديح العديد من الأساتذة. تطور الأمر حين كان مسئولا عن إخراج مشروع تخرج بعض زملائه، حينها احتاجوا لمعلق صوتي محترف للقيام بذلك العمل ولكن لم تكن لديهم القدرة المادية لإحضار متخصص، فتطوع لطفي للقيام بذلك، وهنا أثنى عليه مهندس الصوت وهو من أشهر الأسماء في مجال الهندسة الصوتية وأخبره أن عليه التفكير جديا في احتراف هذه المهنة. وعاد المديح مره أخرى أثناء مشروع تخرجه فكان ذلك بمثابة العلامة التي أكدت على أنه لابد من أن يكون جزء من هذا العالم. تفوقه في سنين الدراسة أتاح للطفي الفرصة أن يحصل على وظيفة في وكالة إعلانية كبيرة حيث كانت هي البوابة الحقيقية لبداية احتراف المجال. ومنذ ذلك الحين أصبح كما يقول عن نفسه” صوت في كل بيت”
يمكن أن أسرد لك هنا عشرات، بل مئات القصص، للعديد من القامات البارزة في مجال التعليق الصوتي بدأ كل منهم بداية مختلفة تمامًا. ونجح كل منهم في استغلال وضعه وعلاقاته ومواهبه ليتمكن من شق طريقه.
والحقيقة أن هناك من يحاول تبسيط هذه المعلومات وصياغتها في مواد تعليمية.. وهو جهد مشكور، ولكن ما أود أن أقوله هو أن نجاحك في هذه المجال لن تصنعه الدورات التدريبية. الدورات مهمة بلا شك للمبتدئين وغير المبتدئين، لكن الدورات وحدها لن توصلك للنجاح، هي فقط توفر لك المعلومات وتلهمك لاستكشاف قصتك المختلفة.
الخلاصة، أن ما نجح معي ليس بالضرورة أن يكون ناجحًا معك. وأن مشاركة شخص ما طرق نجاحه ليست سوى نوع من الإلهام ومجموعة قيمة من المعلومات التي يمكن أن تقدم لك المساعدة يومًا ما. أما ما أومن به حقًا، أن رغبتك الشديدة في أن تصير فنانًا صوتيًا هي التي ستكشف لك الطريق الذي ستسلكه، وحتمًا سيكون مختلفا عن كل ما ذكرته في هذه المقالة.. وما لم أذكره.