من المسؤول؟
في رمضان الماضي، أتيحت لي الفرصة لأكون مخرجًا صوتيًا لقصة أطفال مكونة من 15 حلقة. وقد استفدت من هذه التجربة كثيرًا، نظرًا لتفاصيل العمل الكثيرة ومتطلباته المعقدة. ورغم أنها لم تكن الأولى، إلا أنها كانت الأكثر صعوبة. وأعتقد أنني قد اكتشف خلالها العديد من الأشياء الجديدة عبر مراحلها المختلفة، وأن سنين عملي الممتدة لـ 12 عاما في مشاريع مختلفة قد أضافت إليّ الكثير، وكونت لدي رؤية لأكون قادرًا على الحكم على مخرجات المشروع
لكن سؤالًا واحدًا ظل هناك يجول بخاطري لمدة طويلة بعد انتهاء المشروع.. وهو، هل الأداء المتميز مسؤولية المخرج أم الممثل أم الاثنين معًا؟
في رأيي.. هي مسؤولية مشتركة. فالممثل يجب أن يبرز أفضل ما لديه ويكون لديه المرونة الكافية في الأداء والقدرة على فهم المطلوب، ويمكنني أن أفرد لهذا مقالًا آخر أكثر تفصيلًا. أما المُخرج فيجب أن يكون ملمًا بكل تفاصيل العمل، ومتمكنًا من إخراج أفضل ما في الممثل الصوتي… وهنا تبرز الصعوبة، وهي الشيء الأساسي الذي أود التحدث عنه اليوم. لأنه متعلق بكيفية إدارة الأشخاص.
حيث أن خبرات الممثلين الصوتين مختلفة وشخصياتهم مختلفة، ويجب على المخرج محاولة فهم شخصية من يقف أمامه في غرفة التسجيل في لحظات قصيرة. يمكن لجملة تخرج من فم المخرج أن تجعل الفنان في غاية التوتر أو في قمة الحماس. لقد شاهدت ذلك كثيرًا في أعمال عدة، حين تجاهل العميل أو المخرج الحالة الشعورية للفنان مما أثر بصورة بالغة على الأداء. في الإعلانات مثلًا حيث يتواجد العميل وشركة الإنتاج في بعض الأحيان أثناء التسجيل، يقوم أحدهم بتوجيه الفنان دون وجود مخرج أداء صوتي. فإذا لم يتمتع هؤلاء بالحنكة والدراية المطلوبة لإدارة الأمور على النحو الملائم وإخراج أفضل ما في فنان الأداء، فقد تحدث مشكلة.
من المشاكل العديدة التي رأيتها مثلًا، المقاطعة السريعة بعد أول سطر يقرؤه فنان الأداء، حيث يُبرز ذلك في الأغلب عدم قدرة العميل أو المخرج على شرح المطلوب على نحو واضح. فقد تم اختيار الفنان بناء على عينات مسبقة أبرزت قدراته، فمع مقاطعته من أول لحظة قد يطرأ عليه إحساس بالارتباك والضغط النفسي، وقد يقع هذا حتى لأكثر الفنانين خبرة إذا لم يكن معتادا على ذلك. وهنا نجد أنفسنا أمام مشكلة هامة، إذ تتولد أفكار وأحاسيس داخل رأس الفنان تعيق تركيزه وتحول دون تمكنه من الأداء بالصورة المطلوبة. يحتاج معظم الفنانين الى التسخين أو الإحماء كلاعبي الكرة ليكونوا جاهزين للإبداع. فحتى لو وقع خطأ، يظل التصرف الأنسب هو ترك المساحة المناسبة لفنان الأداء ليتعايش مع أجواء التسجيل ويتفاعل مع النص على النحو الملائم.
هناك أيضا تلك الكلمة التي صار بعض العملاء يرددونها مؤخرًا أثناء توجيههم للفنان وهي أن أداءه ”MONO TONE أوي!“. وهي كلمة فضفاضة مبهمة، ذلك أن أسباب النغمة الأحادية المتكررة في الأداء تتعدد وتختلف، فيمكن أن ترجع مثلًا إلى طريقة بدء الكلام، أو نهاية الجمل، أو إلى نغمة صوتيه متكررة في الجمل على نحو عام، أو ربما طريقة إبراز حرف معين متكرر في منتصف الجملة أو حتى حالة شعورية متكررة. فيجب على من يقدم الملاحظات أن يكون ملمًا بكيفية التوجيه حتى يتمكن من إيصال المعلومة بأنسب الصور وأفضلها دون خلق مشاكل قد تؤثر سلبًا على كفاءة الأداء.
يجب على المخرج أيضًا احترام خبرة الفنان وسماع وجهة نظره في بعض الأمور إذا كان خبيرًا بها. فالفنان بنهاية المطاف يقف في صف طاقم العمل، وهو يريد أن يخرج العمل على أفضل صورة، ومع تتابع الأعمال والمشروعات التي شارك بها على مدار سنين خبرته يمكن للفنان أن يضيف وجهة نظر قد ترتقي بمستوى العمل في النهاية. إهمال ذلك الجزء قد يتسبب في ضيق الفنان وينقل إليه الإحساس بالتجاهل وعدم التقدير وقد يؤثر على الأداء بصورة ما.
تفاصيل كثيرة تتخلل عملية التسجيل، قد تشكل فارقًا، بدءًا بأكثرها تعقيدًا وحتى أبسط كلمة يمكن أن يسمعها الفنان. لذلك فإن مسئولية إشعار فنان الأداء بالراحة والأمان وبأنه شخص مقدَّر وغير منتَقَد وأنه جزء أساسياً من العملية الإنتاجية، تقع على عاتق المخرج. وحين يتحقيق هذا الشعور يمكن للفنان أن يبدع ويقدم أفضل ما لديه. ويكون المخرج حينئذ قد نجح في القيام بدوره على أتم وجه.